مَفَاتِحُ الْغَيْبِ

مَفَاتِحُ الْغَيْبِ

جاء في الآية 59 من سورة الأنعام:" وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ..."، فللغيب مفاتيح، هذا إذا كانت مَفاتح جَمعُ مِفْتَح، وهي الآلة التي يُفتح بها ما أُغلق. وللغيب مخازن، هذا إذا كانت مَفاتح جمع مَفْتَح، وهو المَخزن الذي توضع فيه الأشياء النفيسة ويُفتح عند الحاجة. وعليه يكون المعنى: أنّ مخازن الغيب ومفاتيحها هي مما استأثر الخالق سبحانه بعلمه.
وكان يمكن أن ننتهي عند هذا المعنى لولا ما صحّ عند البخاري وغيره من قول الرسول، صلى الله عليه وسلم:" مفاتح الغيب خمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَام، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". واللافت هنا أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد تلا الآية 34 من سورة لقمان، والتي هي خاتمة السورة. وهذا يعني أنّ خاتمة سورة لقمان هي تفسير لمطلع الآية 59 من سورة الأنعام
.
وعليه فقد بات معلوماً أنّ مفاتح الغيب هي: الساعة، والمطر الذي هو غيث، وما يكون في الأرحام، والزمن المستقبلي، والموت. وهذه الخمس إمّا أن تكون مفاتيح توصل إلى الغيوب وتَفتحُ عن المُغيَّبات، وإمّا أن تكون هي مخازن للغيوب. والمعنى الأول هو الظاهر.

إذا عرفنا هذا بات من الممكن أن يكون المقصود بمفاتح الغيب الأمور التي عندها تظهر الأمور المُقدّرة في عالم الغيب، أي الأمور التي تكون المفاتيح لظهور عالم القَدَر بعد أن كان غيباً في عالم القضاء. وإليك تفصيل ذلك:

الساعة: عندما تأتي الساعة وتقع وتتجلى للناس، تبدأ أسرار هذا العالم الجديد بالظهور بعد أن كانت غيباً خاصاً بهذا العالم. أي أنّ وقوع الساعة كان المفتاح الذي لا بدّ منه لتجلّي هذه الغيوب.

نزول المطر الذي هو غيث: هناك غيوب تتعلق بعالم الحياة يكون الغيثُ مفتاحاً لظهورها، كما هو الأمر بظهور النبات، بعد أن كان غيباً، عند توفّر مفتاحه والذي هو الغيث.

ما في الأرحام: وهناك غيوب تتعلق بعالم الأحياء مفتاحها ما يستقرّ في الأرحام، كما هو الأمر في الأجيال البشريّة التي هي من الغيوب ولا تظهر حتّى تتوافر مفاتيحها، والتي هي ما يستقرّ في الأرحام.

ما يقع في الزمن المستقبل: وهناك غيوب لا تظهر حتى يمرّ الزمن. فكلّ زمن يكون مفتاحاً لغيوب مقدّرة.

الموت: الموت مفتاح لما بعده من الغيوب في عالم البرزخ حتّى تقوم الساعة.

هذه المفاتح الخمس لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى؛ فالساعة من الغيوب التي استأثر الله تعالى بعلمه. ونزول الغيث بكلّ قطراته ومواقع القطرات وزمن وقوعها وآثار ذلك ونتائجه، غيب لا يعلمه إلا من كان مطلق العلم سبحانه. وأمّا ما يستقرّ في عالم الأرحام بكل تفاصيله واحتمالاته وظروفه ونتائجه، فلا يلمّ بشموله إلا علّام الغيوب. وأمّا ما يُخبّئه مستقبل الزمان وما يُحدثه مرور الوقت، فلا يعلمه إلا من قَضى وقَدّر. وأما المواقع التي يَحدُث عندها الموت فَوِفق ما قضى به سبحانه وتعالى، فيتولاه المَلَك الذي وكّلَ به.

أما ما يَتَحصّلُ للبشر من علم جُزئيٍّ ببعض هذه المُغيّبات؛ فإمّا أن يكون بإخبار الوحي، أو بالرؤيا الصادقة، أو بالإلهام، أو بمقدّمات تُشير وتُعلِن فتصدق أو لا تصدق.

No Comments

Comments are closed.

Skip to toolbar